الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
فقد اسْتفاضَتْ تصانيف العلماء الموضوعة في تراجم الصحابة، والتابعين، وأتباعهم السَّائرين على دَرْبهم، السَّالكين مِنْوالهم في ذِكْر أخبارهم المُتكاثِرة، الدَّالَّة على عَظيم اعتنائهم بالوقت، وكبير إدراكهم لقِيْمته، وشديد حِرْصهم على اقْتِناص دِقِّه وجُلِّه، فلو أراد مُريدٌ حَصْرَ أخبارهم في ذلك، لَمَا نال مُنْيَتَه، ولو ابْتَغى مُبْتَغٍ جَمْع ما يُمْكِن جَمْعُه من تلك الأخبار، لأخرج لنا من الأَسْفار أكبرها حَجْمًا، ومن المجلدات أكثرها عددًا.
لقد بلغ من حرصهم على الوقت أنهم كانوا يبتهلون إلى الله تعالى أن يَشْفِيَهم من النوم باليسير، وأن يُسْهِر ليلَهم في طاعته؛ فلا يَرْجُون من النوم إلا ما يُسْكِت كَلْبَ النُّعاس، ولا يَبْغون من مَسِّ جُنُوبهم للمَضاجِع إلا ما يُصْمِت شِكاية أَبْدانهم طولَ القيام.
قال إبراهيم النَّخْعِي رحمه الله تعالى: كان مِعْضَد[1]يقول في صلاته: "اللهم اشفني من النوم بقليل".
فما رؤي ناعسًا في صلاته بعد، قال منصور ـ رواي الخبر عن إبراهيم النخعي: قلت لإبراهيم: في المكتوبة؟ قال: أما في المكتوبة، فلا.[2]
أي أن ذلك النعاس إنما كان يَعْتَرِيه في صلاة النافلة، لا في الفريضة؛ لطول قيامه بالليل بين يدي الله تعالى، ومُجافاته لفِراشه.
وقال هَمَّام بن الحارث: انتهيت الى مِعْضَد وهو ساجد، فأتيته وهو يقول: "اللهم اشفني من النوم باليسير" ثم مضى في صلاته.[3]
وفي رواية لهَمَّام قال: نام مِعْضَد العِجْلِي في سجوده، ثم قام، فمشى ساعة، وقال: "اللهم اشفني من النوم بيسير".[4]
وقد كان هذا من دعاء هَمَّام بن الحارث[5]ـ راوي خَبَر مِعْ