عرفتها
صغيرة في الثالثة عشرة تأتي لزيارة أبيها وراء القضبان، وكنت أنا فتى في
العشرين.. كنت أصغر من نالتهم المحنة الطويلة... لم تكن في عيني أكثر من
طفلة بريئة.
مرت الأيام وصارت عروسا، وإذا بأبيها يخطبني لها
قلت أأفعل وأنا وراء القضبان؟؟
قال تفعل
وانفرجت الأزمة وزالت الغمة وما نسيت كلمات أبيها.
فاتحت أمي قالت: ومالنا والغريبة؟ بنت خالك أولى بك.. تعرفنا ونعرفها وتنسيك هذا الطريق الذي أرانا أياما صعبة..
قلت: لا يا أمي أريد من تعينني على الطريق.
قالت: إذن أنت وشأنك
ذهبت إليها.. نظرت في عينيها.. أطرقت خجلا.. سألتها أترضين بي زوجا؟
قالت: ارتضاك أبي
قلت أنا يوم معك وأيام وراء القضبان
قالت: لهذا ارتضيتك
قلت: أنا مطارد
قالت: ولم؟
قلت:لأنني على الحق
قالت- عرفت فالزم
قلت قد يعدموني
قالت: وماذا جنيت؟
قلت: أقول ربي الله
قالت: فطريقك طريقي وتسبقني إلى الجنة
قلت: أمي لا تحبك
قالت: أستعين بالله وأصبر
توكلت على الله عقدت عليها
سألتها: أنا لا أعرف كلام الغزل
قالت: عيناك تقول الكثير
قلت: يا بنت الناس ما زلنا على البر.. حياتي صعبة
قالت: بل نحن في عرض البحر أحب حياتك
قلت محن كثيرة
قالت: فمن لها غيري
تزوجنا.. حملت بطفل.. ما أسعدنا بهذا.. وحدثت المحنة وجرجروني أمامها مكبلا ترقرق الدمع في عينيها قلت: ألم أقل لك
قالت: قيدك كأنه حول رقبتي اثبت فإنك على الحق
ذهبوا
بي لمكان بعيد كانت تأتيني كل زيارة ومابين زيارة وزيارة تتحايل لتأتيني
أو حتى تنظر إلي من بعيد.. قلت لها: قد ثقل حملك والطريق شاق.. استريحي.
قالت: وهل من راحة إلا في جوارك إن شاء الله كانت مشقة الطريق سببا لوفاة جنينها.
زارتني.. قالت: أضعت أمانتك
قلت: مشيئة الله .
وانفرجت المحنة ومرت الأيام ولم يرد الله حملا، وكنت المفاجأة "لن تكوني أما يوما ما!!"
قالت:
تزوج.. لم أجبها.. كررتها.. قلت: ومن قال لك إنني لم أتزوج .. زاغت عيناها
قالت بصوت متحشرج: منذ متى؟ قلت: من قبل أن أتزوجك ولدي من البنين والبنات.
قالت: أنت تمزح.
قلت: لا والله قد تزوجت هذه الدعوة وبنيها كلهم بني.
قالت: أربيهم معك..
قلت: هكذا أريدك.
أتيتها يوما فرحا حبيبتي: في يدي عقد عمل سنسافر ونبتعد عن الخوف والقلق.
نظرت إلي في صرامة وقالت: ما على هذا اتبعتك.
قلت: فعلام إذن؟
قالت على الجهاد والابتلاء والصبر إن فعلنا نحن فمن للصبر والثبات.
قلت: أحبك.. أحبك.. أحبك.
وتأتي المحنة وأسحب وراء القضبان.. هذه المرة لا أدري كم تطول قلت لها: هذه المرة قد تطول أنت يا بنت الناس في حل.
قالت: كلا لا تكمل ليتني مكانك
قلت: قد اعدم
قالت: تسبقني للجنة
قلت: شرطي أن تتزوجي..
قالت: وهل في الرجال بعدك.
أراها في الزيارة تلو الزيارة تذبل أسألها تقول: من قلقي عليك
داهمها المرض الخبيث لم تخبرني ولم تتخلف زيارة واحدة اكره هذه الأسلاك.. تمنعني أن المس يدها أقول: لها اكشفي وجهك أريد أن أراك.
تقول: الناس من حولنا ينظرون.
وإذا
هي تخفى عنى الحقيقة فوجئت يوما بزيارتها في غير الموعد مأمور السجن يتلطف
معي وكأنه يخفي شيئا!!.. زيارة من غير سلك؟ أخيرا ألمس يدك.. أنظر لوجهك..
ما هذا؟؟ أين وجهك لم يعد له معالم.. يعتصر الألم قلبي: ماذا هناك ؟.
قالت: من حقك أن تعرف أيامي صارت معدودة أأنت راض عنى؟.
وأخبرتني بالحقيقة وثرت وبكيت: لماذا أنا آخر من يعلم؟
وما
كان يجديك أن تتألم ؟ أنا الآن هنا أطلب رضاك لا أدري هل تراني بعد اليوم
أم لا.. لا.. لا.. سأحطمك أيتها القضبان أكرهكم أيها الطغاة.
شدت على يدي مودعة: أنت لها تذكر لعل الله يبدلك من هي خير منى.
لم
تسعفني الكلمات لم اعد أرى ابتلع دموعي حاااارة مرة في حلقي.. تلاشت من
أمامي، وفي نفس اليوم أتاني نعيها.. لم يتحمل جسدها الهزيل مشقة الطريق...
آه!! ما أقسى المحنة!.
جادوا
علي بالسماح بحضور جنازتها.. مشيت فيها محمولا كشيخ هزيل، دس أخوها بيدي
خطابا منها توصيني بالصبر وتترك لي أسماء زوجات قد اختارتهم لي.
مزقت الورقة وعدت لزنزانتي وهل بعدك في النساء من أحد ؟